الاثنين، 12 نوفمبر 2012

زيارة الإبراهيمي لدمشق

زار الإبراهيمي الشام فقال في وصفها:
ويا رعى الله عهد دمشق الفيحاء وجادتها الهوامع( ) وسقت، وأفرغت فيها ما وسقت.( )
وخصّت بالمثقلات الدوالح( ) مجامع الأحباب، وأندية الأصحاب، من الصالحية والجسر والنَّيربين( ): المزة والربوة. 
فكم كانت لنا فيها من مجالس، نتناقل فيها الأدب، ونتجاذب أطراف الأحاديث العلمية، على ودٍّ أصفى من بردى تصفق بالرحيق السلسل( )، ووفاء أثبت من أواسي قاسيون،
 وأرسى من ثهلان ذي الهضبات.
لا توبَن في مجالسنا حرمة، ولا يُكلم عرض، ولا يقارف مأثم.
وإنما هو الأدب بلا جدب، نهصر أفنانه؛ والعلم بلا ظلم، نطلق عنانه، والفن بلا ضن نروّق دنانه، والنادرة بلا بادرة نتلقفها، والنكتة بلا سكتة نتخطفها.
ويا تربة الدحداح، بوركت من تربة، لا يذوق فيها الغريب مرارة الغربة، ولا زلت مسقطاً لرحمات الله.
إنني أودعت ثراك أعزّ الناس عليّ: أبي وابني وجَدَّي أولادي؛ فاحفظي الودائع إلى يوم تُجزى الصنائع.
ويا جناتِ الغوطة، وقراها المغبوطة، لا زلت مجلى الفطر، والحد الفاصل بين البدو والحضر، أشهد ما عشوتِ من الغرب إلى نار، ولا عشيت منه بنور.
تبارك من رواك بسبعة أودية، وكساك من وشي آذار بخضر الأردية.
كم فُتنِتُ بمناظرك الشعرية، وأخذت بمجاليك السحرية، وكم تزوّدتْ عيناي فيك بروضة وغدير، وكم تمتعت أذناي من جداولك وأشجارك بحفيف وهدير.
ويا يوم الوداع ما أقساك، وإن كنت لا أنساك.
لا أنسى بعد ثلاثين سنة ولن أنسى ما حييت موقف الوداع بمحطة البرامكة والأستاذ الخضر يكفكف العبرات، وتلامذتي الأوفياء: جميل صليبا، وبديع المؤيد، ونسيب السكري، والأيوبي، يقدّمون إلي بخطوطهم كلمات في ورقات، ما زلت محتفظاً بها احتفاظ الشحيح بماله.
عهود لم يبق إلا ذكراها في النفس، وصداها في الجوانح، والحنينُ إليها في مجامع الأهواء من الفؤاد.
ولولا أن السلوّ كالزمن يتقادم، وأن الهوى مع العقل يتصادم، لقلت مع المتنبي: أبوكم آدم!...
هكذا كان يحنو سميك بشير الإبراهيمي على الشام يا أ خضر فهل ترخي لتيمور لنك الشام حبال الأمل حتى يدمر الغوطتين ويروع غيدها ويذبح خيرتها حقيق أن قريبك ساخط على كل من صافح طاغوتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق